1970 Janvier
خطاب السيد الحبيب بورقيبة الابن بمناسبة التوقيع على اتفاقيات الإخاء والتعاون بين الجمهوريتين التونسية والجزائرية
معالي الأخ،
هذه مناسبة جديدة انتهزها لأعرب لكم ولبقية اللاخوان اعظاء الوفد الجزائري الشقيق، عن عميق ابتهاجنا باستقبالكم في الجمهورية التونسية التي تكرم في أشخاصكم أوامر اللاخاء المتين التي تجمعها بشقيقتها الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وعلاقات حسن الجوار التي ظلت تشد بلدينا عبر تاريخ مشترك حافل بالترابط والتجاوب والتعاطف.
وإن خير ما يجسم تلك الروابط الوثيقة ما كنا بصدد توقيعه من عديد اللاتفاقيات التي توجنا بها مرحلة هامة من التداول الصريح النزيه، والجوار البناء، و ماتوفرلها من حسن الاستعداد المتبادل لوضع أسس راسخة للعمل المشترك، و تجسيم رغبتنا الصادقة في اضفاء مضمون عملي علي تلك الصلات اللاخوية التي جمعت و ما تزال تجمع بين الشعبين الجزائري والتونسي، و قصدنا الاسمي أن تطرد بين بلدينا في عهد الاستقلال والسيادة، فعالية اللحمة الأصيلة كما برزت في مراحل النضال والتحرير بأروع مواقف التعاطف و التساند،
وإنها لمظهر حي من مظاهر إرادتنا المشتركة على إقامة تعاوننا الثنائي ضمن تبادل المصالح بيننا وفي نطاق الجهود الحثيثة التي أردناها معا لصالح الطرفين على السواء.
وهل نحن بحاجة للتأكيد على أهمية المكانة التي يحتلها التعاون في علاقات الدول عامة، فضلا عن التي تجد من مقومات وجودها القومي والجغرافي ما يزكي الانسجام، وينمي الترابط.
وتماشيا مع هذا المفهوم الإيجابي للعلاقات الدولية تقيم الدول الناهضة تعاونها على أساس المصالح المتبادلة، وتقر لكل طرف نصيبه من عائدات الجهود المشتركة منفعة الجميع، وتوفر لعلاقات الأطراف المتعاونة أكثر ما يمكن من أسباب الاستفادة و النجاعة ليكتب لها الاستمرار والرسوخ.
وهو ما أردنا أن نحققه من ربط تعاون بلدينا بهذا المفهوم الجديد، وإذا كان إبرامنا لمعاهدة الأخوة وحسن الجوار تعبيرا صادقا عن الواقع الذي نعيشه في كنف الروابط الأخوية التي تجمع بين بلدينا، فهو في نفس الوقت تجسيم لإرادتنا الراسخة على إبراز مقومات تعاوننا المعنوية والحسية ومن مفاخر هاته المعاهدة المباركة انها واسطة العقد بالنسبة لترابط المعاهدات بين أجزاء مغربنا العربي الكبير .
كما تجلت هذه الروح العالية في إرادتنا الصادقة على تجاوز الأوضاع والمواقف التاريخية السابقة التي كانت مقترنة بقضية الحدود لتنجب جهودنا تعاونا أجدى توفر له أكثر إمكانيات الاتساع، وبذلك لم تعد الحكومتان الجزائرية والتونسية تواجهان أي مشكل من هذا القبيل، والحقيقة انه لم يكن من العسير أن نتوصل الى اتفاق بشان الحدود التي لم تعد ترتبط بالنظرة الكلاسيكية المحدودة التي ينجر عنها ما يعرقل نمو العلاقات بين الدول، بل أصبحت في عصرنا عاملا ثانويا بالنسبة لاعتبارات أهم وأجدى، تلك هي اعتبارات الصادقة الوطيدة، والأخوة الصادقة، وإقرار علاقات متينة تخدم التعاون المثمر في شتى الميادين، وتهدف الى بناء مستقبل مزدهر، وإقامة مصير مشترك في اطمئنان مطرد وسلام دائم.
فبفضل هاته الروح أصبحت الحدود تتحلى بمفهوم بناء وتسهم في تعزيز نزعة التفتح والتواصل التي تسود الحياة العصرية لنشر المثل الإنسانية السامية على الإطار الموضوعي لما نعتزم انجازه من ضروب التعاون الثقافي والعلمي، الاقتصادي والفني، دعما لكلتا المسيرتين نحو الازدهار الرقى.
وبقدر ما ستسفر عنه كافة الاتفاقيات التي وقعناها من الفوائد الجمة لصالح بلدينا، بقدر ما تسهم بصورة فعلية في بناء صرح المغرب الكبير، وسيكون من أثارها القديمة ما يعزز الجهود المبذولة ضمن نشاطات المجموعة المغربية، ويوفر لسائر الأعضاء الاستفادة من معطياتها الفعالة حتى نحقق أهدافنا في التقدم، ويصبح تقاربنا امتن فامتن، يمتد الى المجالات الاقتصادية و التفافية و السياسية الى ان نبلغ امالنا في الوحدة و المناعة.
وستكون هذه الاتفاقات الهامة محور سرور أعظم تفيضه زيارة سيادة الرئيس هوارى بومدين المنتظرة الى تونس، حيث ينتظم خلالها موكب تبادل وثائق التصديق عليها بين فخامته و بين أخيه المجاهد الأكبر الرئيس الحبيب بورقيبة، و عسى ان تتم في عهد قريب.
معالى الأخ،
إني لواثق من أن لهذه الزيارة السعيدة نتائجها الهامة في التقدم بأشواط التعاون المتين بين بلدينا حتى تسع افاقه سائر الميادين،كما ستكون فاتحة عهد حافل بالاتصال المباشر والتزاور بين المسؤولين الجزائريين والتونسيين فتصبح سنة دائمة ومنظمة توفرللاشقاء فرصا متجددة للتشاور والأخذ بأسباب النجاعة فتتوثق أوامر العلاقات الأخوية، والثقة المتبادلة وينمو التعاون، وتزدهر سبل العمل الخلاق لصالح بلدينا العزيزين وكافة أقطار مقربنا العربي الكبير.
Laisser un commentaire